قمة C5 +1: خطوة بايدن "الذكية" و"القاصرة" في الوقت نفسه
أيلول 25, 2023
بقلم : عماد الشدياق .كاتب سياسي واقتصادي متخصص في العلاقات الدولية
فيما كانت الأنظار شاخصة رؤية وسماع خطابات زعماء العالم في الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة في نيويورك، كان الرئيس الأميركي جو بايدن يعقد على هامشها قمة فريدة من نوعها، جمعته
مع رؤساء دول آسيا الوسطى، في إطار ما يسمى مجموعة C5+1.
حرف الـC في الانكليزية في اسم تلك المجموعة التي نشأت في العام 2015، يرمز إلى وسط آسيا أو Centre Asiaالتي تضم خمس دول هي: كازاخستان، قرغيزستان، طاجيكسان، تركمانستان، وأوزبكيستان، وتوليها الولايات المتحدة مجتمعة إهتماماً بالغاً، باعتبارها:
- منطقة نفوذ روسية لأنها كانت جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق.
- جسر ستعبر من فوقه مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
بين طموحات واشنطن ... والواقع
ظاهرياً، فإنّ دخول واشنطن إلى تلك الساحة، هو بمنزلة "إصابة عصفورين بحجر واحد". أي مقارعة النفوذين الروسي والصيني في الوقت نفسه، لكن المدقّق في التفاصيل يكتشف سريعاً أنّ تلك الخطوة ربّما تكون مجرد مظاهر دبولماسية وتعزيز علاقات لا أكثر، وهي محكومة بالفشل.
في تعريف وزارة الخارجية الأميركية لتلك المجموعة، تقول واشنطن إنها تعمل مع مجموعة C5+1 على "تعزيز التعاون" من أجل هدف مشترك هو بلوغ "آسيا الوسطى المستقلة والمزدهرة والآمنة". وأن الولايات المتحدة لا تسعى إلاّ إلى "دعم سيادة واستقلال وسلامة أراضي المجموعة".
منذ أيلول (سبتمبر) 2021، عقدت المجموعة أربعة اجتماعات وزارية، كما أطلقت في العام 2022، أمانة عامة من أجل تحديد الأولويات المشتركة وتعزيزها، وتنسيق الاتصالات بين الحكومات المشاركة، والتخطيط لاجتماعات وزارية رفيعة المستوى وغيرها من المشاركات.
أما في القمة الأخيرة، فشارك كل من رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، ورئيس قرغيزستان صدر جباروف، ورئيس طاجيكستان إيمومالي رحمن، ورئيس تركمانستان سردار بيردي محمدوف، ورئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف.
قبلها، كانت الاجتماعات تُعقد على مستوى وزراء الخارجية فقط، بينما اليوم ارتقى المستوى وكانت القمة الأولى على مستوى الرؤساء، وهذا يظهر اهتمام واشنطن المتزايد بدول آسيا الوسطى.
خلال القمة أيضاً، قال الرئيس الاميركي جو بايدن إنّها "لحظة تاريخية"، وإن بلاده "تبني على سنوات من التعاون الوثيق" مع آسيا الوسطى. تعاون يرتكز على "الالتزام المشترك" بـ"السيادة والاستقلال وسلامة الأراضي"... فبدا وكأنه يغمز من قناة ترهيب الدول الخمس وتحذيرها بشكل مبطّن من النفوذ الروسي والصيني، وهذا في ما يبدو، هو أقصى ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة.
العجز الأميركي
على المستوى الجيو سياسي، فإنّ المدقق في خارطة آسيا الوسطى يلاحظ أنّ واشنطن غير قادرة على خلق موطىء قدم أو إنشاء كتلة عسكرية موالية لها أو للغرب عموماً، قادرة على استهداف النفوذ الروسي و/أو الصيني في تلك المنطقة، وذلك لأنّ آسيا الوسطى هي بمنزلة "جحيم لوجستي" بالنسبة لواشنطن، بحسب ما يؤكد أغلب الخبراء الجيوسياسيين.
إذ لا يوجد سوى طريق واحد يمكن للغرب الوصول عبره إلى تلك المنطقة، وهي منطقة بحر قزوين ومن خلال دولة أذربيجان. هذا الواقع الجغرافي يجعل عملية إيصال الجنود أو المعدات العسكرية أو إنشاء القواعد العسكرية: أمر صعب وخطير. لأنّ خطوة كالك ستكون بحاجة إلى: إما اختراق روسيا من الشمال، أو الصين من الشرق، أو أفغانستان وإيران من الجنوب... بينما ولا واحدة من تلك الدول تدور في فلك الولايات المتحدة. مما يعني أنّ تلك الدول يستحيل أن تساعدها في توفير الخدمات اللوجستية لعملية كهذه، خصوصاً إن كانت موجّهة ضد موسكو او بكين.
وبالتالي، فإنّ احتمال وجود طموح عسكري لدى واشنطن في تلك المنطقة لا يمكن أن تكون سوى خطوة رمزية و غير جدية.
الأرقام مرآة الواقع
أما إذا انتقلنا إلى البُعد الاقتصادي وهو البعد الأكثر إلحاحاً وأهمية على رقعة العالم اليوم، فتكفي الاشارة إلى حجم التبادل التجاري بين دول آسيا الوسطى من جهة، وبين روسيا، الصين والولايات المتحدة من جهة أخرى، حتى يكتشف المهتم بأنّ ذلك لا أمر منه أيضاً.
حجم تبادلها التجاري مع روسيا هو نحو 26 مليار دولار، وتطمحان إلى بلوغه 30 مليار دولار. ومع الصين هو 13.6 مليار دولار، بينما مع الولايات المتحدة، فلا يتعدى 2.5 مليار دولار
حجم تبادلها التجاري مع روسيا هو نحو 4.4 مليار دولار، ومع الصين هو 5.2 مليار دولار، بينما مع الولايات المتحدة فلا يتعدى 500 مليون دولار
حجم تبادلها التجاري مع روسيا هو نحو 400 مليون دولار، ومع الصين 1.4 مليار دولار، بينما مع الولايات المتحدة الاميركية فلا يتعدى 26 مليون دولار!
حجم تبادلها التجاري مع روسيا هو نحو 650 مليون دولار، ومع الصين 900 مليون دولار، بينما مع الولايات المتحدة فلا يتعدى 50 مليون دولار
حجم تبادلها التجاري مع روسيا هو نحو 1.2 مليار دولار، ومع الصين 2.4 مليار دولار، بينما مع الولايات الماحدة فلا يتعدى 125 مليون دولار
كل هذه الأرقام تؤكد أنّ الهوامش بين أرقام التبادل التجاري متفوقة بشكل كبير جداً لصالح روسيا وأو الصين، بينما حضور الولايات المتحدة الاقتصادي في تلك المنطقة ومع تلك الدول هو أكثر من متواضع، وبالتالي فلا إمكانية لمنافسة الصين وروسيا في تلك المنطقة على الاطلاق.
باب العقوبات: مقفل
أما إذا طمحت الولايات المتحدة إلى إقحام تلك الدول في المشاركة بفرض عقوبات ضد روسيا أو لاحقاً ضد الصين، فإن دول آسيا الوسطى لن توافق على ذلك نظراً للأهمية التجارية والاقتصادية التي توليها للعلاقات مع موسكو وبكين، خصوصاً أنّ تلك الدول تسعى باستمرار إلى خلق أدوات إضافية من أجل مواصلة العلاقات الاقتصادية مع البلدين الجارين (مثال على ذلك ما تفعله كازاخستان... راجع خطة الرئيس قاسم جومارت توكاييف) ولكن بفرق بسيط، وهو: إلتزام التوازن بين معسكر الشرقي والغربي، وفق سياسة خارجية دقيقة ومعقدة لا تثير غضب واشنطن.